عون – ميقاتي: جمر تحت الرماد
لا مفر أمام رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي من أن يتعايشا بأقل الخسائر الممكنة، حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة بالحد الأدنى، هذا إن حصلت في وقتها.
لكن خلف ستارة التعايش الإلزامي، يختزن كل منهما مجموعة ملاحظات على الآخر، تتطور احيانا لتصل الى مستوى الانتقادات الناعمة حينا والخشنة حينا آخر. وبهذا المعنى، يمكن القول ان الجمر يختبئ تحت رماد علاقتهما، في انتظار إطفائه او تسعيره مع المقبل من الايام والتحديات.
يأتي في طليعة البنود الخلافية الموقف من تعطيل جلسات مجلس الوزراء، حيث يحاذر ميقاتي الدعوة إلى عقده من دون ضمان حضور الثنائي الشيعي الذي يربط مشاركته مجددا في اجتماعات الحكومة بلجم المحقق العدلي القاضي طارق البيطار. بالنسبة إلى ميقاتي لا تُعالج مشكلة تعطيل مجلس الوزراء بمشكلة أكبر وهي تحدي احد مكوناته الميثاقية وفرض انعقاده كأمر واقع، خصوصا ان مثل هذا التصرف قد يدفع حركة امل وحزب الله إلى الاستقالة من الحكومة التي ستصاب عندها بخلل في توازنها الميثاقي، ما يهدد بتكرار تجربة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة البتراء، وصولا الى إدخال البلد في نفق جديد.
أما عون، فيعتبر ان شلّ مجلس الوزراء هو شلٌ للعهد في اشهره الأخيرة واستنزاف له، في حين ان رئيس الجمهورية كان يأمل في أن يعوض عبر هذه الحكومة بعضا مما فاته وخسره خلال السنوات الخمس. وتستغرب اوساط قصر بعبدا “كيف أن ميقاتي استسهل التنازل طوعا عن صلاحية حصرية أنيطت برئيس الحكومة بعدما سُحبت من رئيس الجمهورية في اتفاق الطائف، وهي الدعوة إلى عقد مجلس الوزراء.”
وتلفت الاوساط الى ان “قيادات الطائفة السنية كانت تتهم المكونين المسيحي والشيعي بالسعي الى الانقلاب على الطائف وبمحاولة فرض أعراف جديدة من خلال اتفاق الدوحة، فإذا بميقاتي يتكفل هو شخصيا بنسف واحدة من أهم الصلاحيات التي منحها الطائف للسنّة عبر امتناعه عن دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد لان احد أطرافه لا يريد أن يشارك.”
ملف آخر يباعد بين عون وميقاتي ويتمثل في مصير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. من وجهة نظر رئيس الحكومة ليس هذا هو الوقت المناسب للبحث في تغيير سلامة لانه من غير الجائر، في رأيه، تغيير الضباط خلال الحرب. هذا الموقف استفز رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر اللذين طفح كيلهما من سلوكيات “الحاكم” ويدعوان الى إزاحته فورا عن منصبه، على قاعدة ان “الضابط الفاسد والفاشل يشكل عبئا ثقيلا على اي معركة ولا يمكن أن يفيدها.”
ولعل اشارة عون في خطابه الاخير الى ضرورة إدراج خطة التعافي الاقتصادي على جدول أعمال الحوار الذي اقترحه، تعكس في جانب منها سعيه الى تحرير النقاش حول هذه الخطة من التأثير الكبير للثنائي ميقاتي – سلامة.
أمر إضافي استجد أخيرا وانضم الى لائحة المآخذ المتبادلة، وهو شعور ميقاتي بأن عون وباسيل كانا يحاولان “هندسة” صفقة خلف ظهره مع الرئيس نبيه بري وحزب الله، من شأنها ان تفضي الى التخلص من رياض سلامة وطارق البيطار ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود ومدعي عام التمييز غسان عويدات، ما اغضب ميقاتي الذي بادر بعد لقائه العاصف مع بري الى الاتصال بعون معاتبا ومعترضا.
انما، وعلى الرغم من هذه التباينات التي قد تكبر او تضيق رقعتها لاحقا، فلا عون في وارد الدفع نحو استقالة ميقاتي لانه لا يستطيع أن يتحمل تبعات حكومة تصريف أعمال ستُدخل الاشهر المتبقية من ولايته في الكوما خصوصا انه لن يكون من السهل تشكيل حكومة جديدة، ولا ميقاتي المدعوم دوليا سيستغني عن إقامته في السرايا والتي بات لها اكثر من مغزى وسط استمرار غياب الرئيس سعد الحريري عن الساحة والذي يعطي ميقاتي فرصة لصنع زعامة سنية تفرضه لاعبا اساسيا في المعادلة الداخلية بدل ان يظل احتياطيا يُستدعى فقط عند انكفاء رئيس تيار المستقبل.
عماد مرمل